فصل: قال سيد قطب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وخص الوجه؛ لأنه أشرف الأعضاء، أو أمره باستقبال القبلة في الصلاة، وعدم التحوّل عنها.
و: {حنيفًا} حال من الدين، أو من الوجه: أي مائلًا عن كل دين من الأديان إلى دين الإسلام.
ثم أكد الأمر المتقدّم للنهي عن ضدّه، فقال: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} وهو معطوف على: {أقم}، وهو من باب التعريض لغيره صلى الله عليه وسلم.
قوله: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} معطوف على: {قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الناس} غير داخل تحت الأمر، وقيل: معطوف على: {ولا تكونن} أي: لا تدع من دون الله على حال من الأحوال ما لا ينفعك ولا يضرّك بشيء من النفع والضرّ إن دعوته، ودعاء من كان هكذا لا يجلب نفعًا، ولا يقدر على ضرّ ضائع لا يفعله عاقل على تقدير أنه لا يوجد من يقدر على النفع والضرّ غيره، فكيف إذا كان موجودًا؟ فإن العدول عن دعاء القادر إلى دعاء غير القادر أقبح وأقبح: {فَإِن فَعَلْتَ} أي: فإن دعوت، ولكنه كنى عن القول بالفعل: {فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظالمين} هذا جزاء الشرط، أي فإن دعوت من دون الله مالا ينفعك ولا يضرّك، فإنك في عداد الظالمين لأنفسهم.
والمقصود من هذا الخطاب التعريض لغيره صلى الله عليه وسلم.
وجملة: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ} إلى آخرها مقرّرة لمضمون ما قبلها.
والمعنى: أن الله سبحانه هو الضار النافع.
فإن أنزل بعبده ضرًا لم يستطع أحد أن يكشفه كائنًا من كان، بل هو المختص بكشفه كما اختصّ بإنزاله: {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} أيّ: خير كان لم يستطع أحد أن يدفعه عنك، ويحول بينك وبينه كائنًا من كان، وعبر بالفضل مكان الخير للإرشاد إلى أنه يتفضل على عباده بمالا يستحقونه بأعمالهم.
قال الواحدي: إن قوله: {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} هو من القلب، وأصله وإن يرد بك الخير، ولكن لما تعلق كل واحد منهما بالآخر جاز أن يكون كل واحد منهما مكان لآخر.
قال النيسابوري: وفي تخصيص الإرادة بجانب الخير، والمسّ بجانب الشرّ دليل على أن الخير يصدر عنه سبحانه بالذات، والشرّ بالعرض.
قلت: وفي هذا نظر، فإن المسّ هو أمر وراء الإرادة، فهو مستلزم لها، والضمير في: {يصيب به} راجع إلى فضله: أي يصيب بفضله من يشاء من عباده.
وجملة: {وَهُوَ الغفور الرحيم} تذييلية.
ثم ختم هذه السورة بما يستدل به على قضائه وقدره، فقال: {قُلْ يا أَيُّهَا الناس قَدْ جَاءكُمُ الحق مِن رَّبّكُمْ} أي: القرآن: {فَمَنُ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} أي: منفعة اهتدائه مختصة به، وضرر كفره مقصور عليه لا يتعدّاه، وليس لله حاجة في شيء من ذلك، ولا غرض يعود إليه: {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} أي: بحفيظ يحفظ أموركم، وتوكل إليه، إنما أنا بشير ونذير.
ثم أمره الله سبحانه أن يتبع ما أوحاه إليه من الأوامر والنواهي التي يشرعها الله له، ولأمته، ثم أمره بالصبر على أذى الكفار، وما يلاقيه من مشاقّ التبليغ، وما يعانيه من تلوّن أخلاق المشركين وتعجرفهم، وجعل ذلك الصبر ممتدًا إلى غاية هي قوله: {حتى يَحْكُمَ الله وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} أي: يحكم الله بينه وبينهم في الدنيا بالنصر له عليهم، وفي الآخرة بعذابهم بالنار، وهم يشاهدونه صلى الله عليه وسلم هو وأمته، المتبعون له المؤمنون به، العاملون بما يأمرهم به، المنتهون عما ينهاهم عنه، يتقلبون في نعيم الجنة الذي لا ينفد، ولا يمكن وصفه، ولا يوقف على أدنى مزاياه.
وقد أخرج أبو الشيخ، عن السديّ في قوله: {وَمَا تُغْنِى الآيات والنذر عَن قَوْمٍ} يقول: عند قوم: {لاَ يُؤْمِنُونَ} نسخت قوله: {حِكْمَةٌ بالغة فَمَا تُغْنِى النذر} [القمر: 5].
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ} قال: وقائع الله في الذين خلوا من قبلهم، قوم نوح، وعاد، وثمود.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن الربيع في الآية قال: خوّفهم عذابه ونقمته وعقوبته، ثم أخبرهم أنه إذا وقع من ذلك أمر نجى الله رسله والذين آمنوا، فقال: {ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا والذين ءامَنُواْ} الآية.
وأخرج أبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} يقول: بعافية.
وأخرج البيهقي في الشعب، عن عامر بن قيس، قال: ثلاث آيات في كتاب الله اكتفيت بهنّ عن جميع الخلائق: أوّلهنّ: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ}، والثانية: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} [فاطر: 2]، والثالثة: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} [هود: 6].
وأخرج أبو الشيخ، عن الحسن، نحوه.
وأخرج أبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ} قال: هو الحق المذكور في قوله: {قَدْ جَاءكُمُ الحق مِن رَّبّكُمْ}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، في قوله: {واصبر حتى يَحْكُمَ الله} قال: هذا منسوخ، أمره بجهادهم والغلظة عليهم. اهـ.

.قال سيد قطب في الآيات السابقة:

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)}
هذة خاتمة السورة، وخاتمة المطاف لتلك الجولات في شتى الآفاق، تلك الجولات التي نحس أننا عائدون منها بعد سياحات طويلة في آفاق الكون، وجوانب النفس، وعوالم الفكر والشعور والتأملات. عائدون منها في مثل الإجهاد من طول التطواف، وضخامة الجني، وامتلاء الوطاب!
هذه خاتمة السورة التي تضمنت تلك الجولات حول العقيدة في مسائلها الرئيسية الكبيرة: توحيد الربوبية والقوامة والحاكمية، ونفي الشركاء والشفعاء، ورجعة الأمر كله إلى الله، وسننه المقدرة التي لا يملك أحد تحويلها ولا تبديلها. والوحي وصدقه، والحق الخالص الذي جاء به. والبعث واليوم الآخر والقسط في الجزاء... هذه القواعد الرئيسية للعقيدة التي دار حولها سياق السورة كله، وسيقت القصص لإيضاحها، وضربت الأمثال لبيانها.. ها هي ذي كلها تلخص في هذه الخاتمة، ويكلف الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلنها للناس إعلانًا عامًا، وأن يلقي إليهم بالكلمة الأخيرة الحاسمة: أنه ماض في خطته، مستقيم على طريقته، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
{قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين}..
قل: يا أيها الناس جميعًا، وإن كان الذين يتلقون الخطاب إذ ذاك هم مشركي قريش، إن كنتم في شك من أن ديني الذي أدعوكم إليه هو الحق، فإن هذا لا يحولني عن يقيني، ولا يجعلني أعبد آلهتكم التي تعبدونها من دون الله..
{ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم}..
أعبد الله الذي يملك آجالكم وأعماركم. وإبراز هذه الصفة لله هنا له قيمته وله دلالته، فهو تذكير لهم بقهر الله فوقهم، وانتهاء آجالهم إليه، فهو أولى بالعبادة من تلك الآلهة التي لا تحيي ولا تميت..
{وأمرت أن أكون من المؤمنين}..
فأنا عند الأمر لا أتعداه.
{وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين}..
وهنا يتحول السياق من الحكاية إلى الأمر المباشر، كأن الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقاه في مشهد حاضر للجميع. وهذا أقوى وأعمق تأثيرًا: {أقم وجهك للدين حنيفًا} متوجهًا إليه خالصًا له، موقوفًا عليه: {ولا تكونن من المشركين} زيادة في توكيد معنى الاستقامة للدين، ولمعنى أن يكون من المؤمنين، عن طريق النهي المباشر عن الشرك بعد الأمر المباشر بالإيمان.
{ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذًا من الظالمين}..
لا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك من هؤلاء الشركاء والشفعاء، الذين يدعوهم المشركون لجلب النفع ودفع الضر. فإن فعلت فإنك إذن من هؤلاء المشركين! فميزان الله لا يحابي وعدله لا يلين.: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم}..
فالضر نتيجة لازمة لسنة الله الجارية حين يتعرض الإنسان لأسبابه، والخير كذلك..
فإن مسك الله بضر عن طريق جريان سنته فلن يكشفه عنك إنسان، إنما يكشف باتباع سنته، وترك الأسباب المؤدية إلى الضر إن كانت معلومة، أو الالتجاء إلى الله ليهديك إلى تركها إن كانت مجهولة. وإن أراد بك الخير ثمرة لعملك وفق سنته فلن يرد هذا الفضل عنك أحد من خلقه. فهذا الفضل يصيب من عباده من يتصلون بأسبابه وفق مشيئته العامة وسنته الماضية: {وهو الغفور الرحيم} الذي يغفر ما مضى متى وقعت التوبة، ويرحم عباده فيكفر عنهم سيئاتهم بتوبتهم وعملهم الصالح وعودتهم إلى الصراط المستقيم.
هذه خلاصة العقيدة كلها، مما تضمنته السورة، يكلف الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلنهما للناس، ويوجه إليه الخطاب بها كأنما على مشهد منهم. وهم هم المقصودون بها. إنما هو أسلوب من التوجيه الموحي المؤثر على النفوس، ويقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بها في وجه القوة والكثرة؛ ووجه الرواسب الجاهلية، ووجه التاريخ الموغل بالمشركين في الشرك.. يعلنها في قوة وفي صراحة وهو في عدد قليل من المؤمنين في مكة، والقوة الظاهرة كلها للمشركين..
ولكنها الدعوة وتكاليفها، والحق وما ينبغي له من قوة ومن يقين.
ومن ثم يكون الإعلان الأخير للناس: {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل}..
فهو الإعلان الأخير، والكلمة الفاصلة، والمفاصلة الكاملة، ولكل أن يختار لنفسه. فهذا هو الحق قد جاءهم من ربهم.
{فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها}..
وليس الرسول موكلًا بالناس يسوقهم إلى الهدى سوقًا، إنما هو مبلغ، وهم موكولون إلى إرادتهم وإلى اختيارهم وإلى تبعاتهم، وإلى قدر الله بهم في النهاية.
والختام خطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع ما أمر به، والصبر على ما يلقاه حتى يحكم الله بما قدره وقضاه: {واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين}..
وهو الختام المناسب الذي يلتقي مع مطلع السورة، ويتناسق مع محتوياتها بجملتها على طريقة القرآن في التصوير والتنسيق. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ}
وقوله تعالى: {مِن رَّبِّكُمْ}: يجوز أن يتعلَّقَ بـ {جاءكم} و{مِنْ} لابتداء الغاية مجازًا، ويجوز أن يكونَ حالًا من {الحق}.
قوله: {فَمَنُ اهتدى} {ومَنْ ضَلَّ} يجوز أن تكون {مَنْ} شرطًا، فالفاءُ واجبةُ الدخول، وأن تكونَ موصولةً فالفاءُ جائزتُه.
قوله: {وَمَا أَنَاْ}، يجوزُ أن تكون الحجازية أو التميميةَّ؛ لخفاء النصب في الخبر. وباقيها واضح. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {فمن اهتدى قإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل} وفى سورة النمل: {فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنرين} فورد في الأولى عقب قوله: {ومن ضل} قوله: {فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل} وفى الثانية عقب قوله: {ومن ضل} قوله: {فقل إنما أنا من المنذرين} فللسائل أن يسأل عن الفرق؟
والجواب أن آية يونس مرتبطة بقوله تعالى فيما قبلها: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} فلما تقدمها هذا ومعناه هو المعنى المراد في قوله تعالى في سورة الزمر: {وما أنت عليهم بوكيل} فقيل هنا على لسانه صلى الله عليه وسلم: {وما أنا عليكم بوكيل} وتناسب ذلك وارتبط ارتباطا لا يلائم الموضع خلافه والله أعلم.
وأما آية النمل فإنها راجعة إلى قوله تعالى فيما تقدمها: {فتوكل على الله إنك على الحق المبين إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادى العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} فناسب هذا أتم مناسبة قوله تعالى: {ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين} ولم يكن قوله: {فقل إنما أنا من المنذرين} ليناسب المتقدم في سورة يونس ولا قوله: {وما أنا عليكم بوكيل} ليلائم ما تقدم هنا والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ}
مَنْ استبصر رَبحَ رُشْدَ نفسِه، ومَنْ ضلَّ فقد زاغ عن قَصْدِه؛ فهذا بلاءٌ اكتسب، وذلك ضياء وشِفاء اجتلب.
{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)}
قِفْ عند جريان أحكامنا، وانسلِخْ عن مرادِك بالكلية، ليُجْرِيَ عليك ما يريد، والله أعلم بالصواب. اهـ.

.قال التستري:

قوله: {واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ واصبر} [109] قال: أجرى الله في الخلق أحكامه، وأيدهم على اتباعها بفضله وقدرته، ودلَّهم على رشدهم بقوله: {واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ واصبر} [109] فالصبر على الاتباع ترك تدبير النفس، ففيه النجاة عاجلًا من رعونات النفس، وآجلًا من حياء المخالفة. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال العلامة نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {ولقد بوأنا بني إسرائيل} يعني متولدات الروح العلوي من القلب والسر دون النفس لأنها من البنات لا من البنين: {مبوأ صدق} منزلًا عليًا في العالم النوراني: {وزقناهم من الطيبات} من الفيض الرباني الفائض على الروح لأن الروح مستوٍ على عرش القلب، فكل ما فاض من صفة الروحانية على الروح يفيض الروح على القلب والسر، فما اختلف القلب والسر حتى جاءهم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم: فمن قبلها صار مقبولا، ومن ردها كان مردودًا. وبوجه آخر: {مبوأ صدق} بين الأصبعين من أصابع الرحمن: {فما اختلفوا} حتى أدركهم علم الله الأزلي بالسعادة والشقاء: {فإن كنت في شك} خلق الإنسان ضعيفًا، فإذا انفتح عليه أبواب الكرامات وهبت رياح السعادات فربما ظن أنه مما يخادع به الأطفال فلا يدري هل هو من كرامة الاجتباء أو من وخامة الابتلاء، فكان النبي صلى الله عليه وسلم من خصوصية: {إنما أنا بشر مثلكم} [الكهف: 110] يرتع في هذه الرياض وباختصاص: {يوحي إلي} [الكهف: 110] يسقى بكساسات المناولات من تلك الحياض. فشك عند سكره أنها من شهود التلوين أو من كشوف التمكين، فأدركته العناية الأزلية فأكرم بخطاب: {لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن} بل كان هذا النهي نهي التكوين فما كان ممتريًا ولهذا قال: والله لا أشك ولا أسأل: {إلا مثل أيام الذين خلوا} من أنه كل ميسر لما خلق له: {قل فانتظروا} ظهور ما قدر لكم: {ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم} بالفناء عن النفس وصفاتها حنيفًا طاهرًا عن لوث الالتفات إلى ما سواه والله أعلم. اهـ.